المشاركات الشائعة

الاثنين، 4 أبريل 2011

وقفة مع آية

وقفة مع آية
د.عبداللطيف محمد سعيد
استوقفتني هذه الآية {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } (سورة النمل، اية 18) فلقد وجدت في نصيحة النملة عشرة أنواع من الخطاب وان النمل خوطب خطاب العُقلاء.
فاما عن مخاطبة النمل خطاب العقلاء فقد جاء عنه: فهم سليمان قول النمل وصارت بمنزلة من يعقل في الفهم عنها ، فأخبر عنها كما يخبر عن من يعقل، فلذلك قال : {قَالَتْ} لأنه لما جعل لهم قولا كالآدميين خوطبوا بخطاب الآدميين فأخرج خطابهم على مثال خطاب بني آدم، إذ كلَّمتهم وكلَّموها فجعلها قائلة والنمل مقولاً لهم كما يكون في أولي العقل فالهاء والميم والياء والنون من كنايات من يعقل، لأنه لما أخبر عنها بفعل من يعقل عبّر عنها بكناية من يعقل (فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم ولذلك أجروا مجراهم)
قال الزَّمخشَريُّ - رحمه الله - في  الكشَّاف:(ولمَّا جَعَلَها قائلةً، والنَّمل مقولاً لهم - كما يكونُ في أُولي العقلِ أجرَى خطابهم [ كذا ] مجرَى خطابهم)
وقال أبو حيَّان - رحمه الله - في  البحر المحيط:(وجاء الخطاب بالأمرِ كخطابِ من يَعْقِلُ في قوله: (ادخُلوا ) - وما بعده - لأنَّها أَمَرَتِ النَّمْلَ كأمْرِ مَن يعقلُ، وصَدَرَ مِنَ النَّمْلِ الامتثالُ لأمرِها ).
اما عن انواع الخطاب فجاء في نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري : فجمع في هذا على لسان النملة بين النداء والتنبيه والأمر والنهي والتحذير والتخصيص والعموم والإشارة والإعذار.
قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة: فتكلمت بعشرة أنواع من الخطاب في هذه النصيحة النداء والتنبيه والتسمية والامر والنص والتحذير والتخصيص والتفهيم والتعميم والاعتذار فاشتملت نصيحتها مع الاختصار على هذه الانواع العشرة ولذلك اعجب سليمان قولها وتبسم ضاحكا منه وسال الله ان يوزعه شكر نعمته عليه لما سمع كلامها..
قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة: فتكلمت بعشرة أنواع من الخطاب في هذه النصيحة النداء والتنبيه والتسمية والامر والنص والتحذير والتخصيص والتفهيم والتعميم والاعتذار فاشتملت نصيحتها مع الاختصار على هذه الانواع العشرة ولذلك اعجب سلميان قولها وتبسم ضاحكا منه وسال الله ان يوزعه شكر نعمته عليه لما سمع كلامها.
ومن باب التطبيق وإعمال أنواع الخطاب في الآية {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} النداء في حرف النداء يا، والتنبيه في هاء أيّها، والتسمية بالنمل، والأمر في فعل الأمر ادخلوا، والنّص في مساكنكم،
والتحذير في لايحطمنكم، والتخصيص في سليمان، والتفهيم في وجنوده، والتعميم في قولهاهم، والاعتذار في قولها وهم لا يشعرون.
قرأتُ في شفاء العليل فوائد فريدة ذكرها ابن القيِّم -رحمه الله- في هداية الله -سبحانَه- للنمل ( ويكفي في هداية النَّمل ما حكاه اللهُ -سُبحانهُ- في القرآنِ عن النَّملة التي سمع سليمان كلامَها وخطابَها لأصحابِها بقولِها: {يا أيُّها النَّملُ ادخُلوا مَساكِنَكُم لا يَحطِمَنَّكُم سُليْمانُ وجُنودُه وهُم لا يَشعُرونَ}:فاستفتحتْ خطابَها بالنِّداء الذي يَسمعُه مَن خاطبتْه، ثم أتتْ بالاسمِ المُبهَم، ثم أتبعتْه بما يُثبتُه من اسم الجِنس، إرادةً للعُموم، ثم أمرتْهم بأن يدخُلوا مساكنهم فيتحصَّنون من العسكر، ثم أخبرت عن سبب هذا الدُّخول؛ وهو خشية أن يصيبَهم معرة الجيش فيحطمهم سليمان وجنودهم ثم اعتذرتْ عن نبي الله وجنوده بأنهم لا يشعرون بذلك، وهذا مِن أعجب الهداية.ثم قال: {حتَّى أتَوا على وادِ النَّملِ} فأخبر أنهم بأجمعهم مَروا على ذلك الوادي، ودلَّ على أن ذلك الوادي معروفٌ بالنَّمل -كوادي السِّباع ونحوه-.
ثم أخبر بما دلَّ على شِدة فِطنة هذه النَّملة ودِقَّة معرفتِها حيث أمرتْهم أن يدخلوا مساكنهم المختصَّة بهم، فقد عرفتْ -هي والنَّمل- أن لكلِّ طائفةٍ منها مسكنًا لا يدخل عليهم فيه سِواهم.ثم قالت: {لا يَحطِمنَّكُم سُليمانُ وجُنودُه}: فجمعتْ بين اسمِه وعَينه، وعرفتْه بهما، وعرفتْ جنودَه وقائدها.
ثم قالت: {وهُم لا يَشعُرون}: فكأنها جمعتْ بين الاعتذار عن مضرَّة الجيش بكونِهم لا يشعرون وبين لَوم أمَّة النَّمل حيث لم يأخذوا حذرهم ويدخلوا مساكِنهم؛ ولذلك: تبسَّم نبيُّ الله ضاحكًا من قولها؛ وإنَّه لموضع تعجُّب وتبسُّم)