تجربة الإنقاذ
وصل الوضع في السودان قبل الإنقاذ، في فترة حكم الصادق المهدي الذي تسلم مقاليد الحكم في منتصف عام 1986م من الحكومة الانتقالية، مرحلة التدني الشامل في مختلف مجالات الحياة، ففي مجال السياسة الدولية طغت حالة الجمود وربما النفور على العلاقة السودانية المصرية لأسباب تاريخية تعود إلى موقف حزب الأمة صاحب الشعار القديم (السودان للسودانيين) من قضية طبيعة العلاقة مع مصر، ويبدو أن الصادق المهدي لم يتمكن بعد كل هذه السنوات من الوصول إلى حالة الاطمئنان والقبول المصري مع تزايد التوجس المصري من حجم وأهداف العلاقة السودانية الليبية إضافة إلى إنعدام القبول الخليجي بسبب علاقته بإيران، إنعكس هذا الوضع سلباً على علاقة السودان بالدول الغربية والمنظمات المالية الداعمة للسودان.
ففي الجنوب تمكنت الحركة الشعبية بقيادة العقيد جون قرنق من السيطرة على أغلب المدن الجنوبية، بل وباتوا على مشارف عاصمة الجنوب جوبا وكل ذلك لعدم إهتمام السلطة السياسية بإحتياجات الجيش وعجزه عن صد أي هجوم جنوبي تمكن المتمردون من الوصول بالعمليات العسكرية إلى مشارف العاصمة جوبا بل وإحتلال بعض المواقع التي كانت تسيطر عليها الحكومة المركزية، فسقطت مدينة الجكو في مايو 1987م وبعدها مدينة الكرمك ثم البيبور وكبويتا وكايا وفي فبرائر 89 سقطت توريت([1]) في تلك الفترة كانت بعض الأقلام خاصة في الصحف اليسارية تمجد الحركة الشعبية وتقلل من الدور الوطني للجيش مما دفع قياداته إلى صياغة مذكرة (قوات الشعب المسلحة) قدمها القائد العام الفريق أول بحري فتحي أحمد علي والفريق ركن مهدي بابونمر وقيادات أخرى إلى رأس الدولة السيد أحمد الميرغني ومن ثم إلى رئيس الوزراء الصادق المهدي وذلك في فبراير عام 1989م، وكانت تمثل احتجاجاً على الوضع الذي آلت إليه القوات المسلحة السودانية داعية المهدي إلى سرعة الإصلاح والوصول إلى حل سريع ومناسب لمشكلة الجنوب، أما عن الوضع الاقتصادي، فالتهالك الاقتصادي الذي بدأ في عهد النميري إستمر وإتسع في عهد الصادق المهدي، ولم يستطع أو لعله لم يحاول تصحيح الأخطاء ليوقف هذا التدهور عند حد معين على أقل تقدير، حتى أصبح منظر الصفوف الطويلة عند المخابز ومراكز التموين ومحطات الوقود من المناظر المألوفة في الشارع السوداني، قال بشير محمد بشير: وداخل المجتمع السوداني تتسع الهوة والمسافة بين الحاكم والمحكوم وتنعزل السلطة التي أتى بها الشعب وتتحول إلى مجرد عبارات وأرقام وأخبار باهتة على صفحات الصحف، وتعاظمت الحركات الاحتجاجية وسط النقابات الكل يحمل مشكلة ويعرض مأساة، فكان أن أدى ذلك إلى انفجار ظاهرة الاضرابات النقابية وتعطل دولاب الخدمة العامة وتراجعت عجلة الإنتاج لدرجة مخيفة، وبلغ عدد الاضرابات عن العمل خلال هذه الفترة أكثر من 65 إضراباً حولت مرافق الخدمة العامة إلى ساحات يسكنها البوم وبيوت العنكبوت، كل هذه الصورة عن أوضاع الخدمة العامة تحكي عن ترد واضح في الظروف المعيشية للمواطن وانغلاق الأسواق وتفاقم السوق السوداء الشئ الذي أدى إلى اعتراف رئيس الوزراء آنذاك فقال إن السوق قد هزم الحكومة، إضافة إلى كثرة التجاوزات المالية في مختلف المستويات الحكومية، فالصادق المهدي كمثال قد أخذ 35 مليون جنيه سوداني بحجة أنها تعويض عن استيلاء الحكومة على بيت عبد الرحمن المهدي في حين أن هذا البيت أصلاً كان منحة حكومية، ومضى يطالب بتعويضات لأسرته بينما الشعب جائع يتسول المساعدات والجنود يقاتلون ببطون خاوية وأسلحة بلا ذخيرة، كما لم تستطع الحكومة تنفيذ شعارات الانتفاضة الشعبية ومنها ازالت أثار مايو وإلغاء القوانين الإسلامية ووضع دستور للبلاد بديلاً لدستور نميري([2]).
لم يكن يتوقع احد ما أن يقبل الشعب السوداني بانقلاب عسكري بعد ما عاناه من تجربة مايو ورغم أن فترة الديمقراطية لم تقدم له أي مكاسب.
في هذه الأجواء جاءت الإنقاذ في صبيحة الثلاثين من يونيو 1989م برئاسة العميد الركن عمر حسن أحمد البشير.
ورغم ما يقال عن الإنقاذ فقد كانت من تنفيذ الإسلاميين، قال د. عبد الرحيم عمر محيي الدين (يوم الإنقاذ وساعة تفجيرها هو اختيار المكتب التنفيذي للحركة الإسلامية الذي اجتمع وقرر ذلك، بل حتى اسمها فهو قراره فلم ينسب إلى شهر كما هو دأب الانقلابات العسكرية، ولكن عبر عن مضمونها الموقت الذي يتطلع بعده لما يلي الإنقاذ... ذات المكتب الذي قرر الإنقاذ قرر في ذات الاجتماع الخطة نحو التمكين، وأول قراره أن تظهر الثورة قومية أول الأمر بغير لون حزبي تدعمها الحركة بعناصرها في المواقع كافة حفظاً لميلادها وقوميتها بغير إعلان ولا سفور بعودة المغتربين من أعضاء الحركة في كل مكان لسد الثغرات ثم القرار بإعلان الشريعة الإسلامية بعد العام الأول ثم القرار بظهور الرموز الإسلامية شيئاً فشيئاً وفق الاطمئنان إلى رسوخ التمكين) ([3]).
وقامت الإنقاذ كنوع من التمويه باعتقال القيادات الإسلامية ومن بينهم الدكتور حسن الترابي زعيم للحركة الإسلامية الذي صرح فيما بعد قائلاً: (أنا سلمته بيان الثورة ليذهب هو إلى القصر رئيساً واذهب أنا إلى كوبر حبيساً)([4]).
وقد ساعد اعتراف مصر بالإنقاذ على إكسابها موقعاً دولياً فقد سارعت مصر بالإعتراف بالنظام الجديد في الخرطوم منذ اليوم الأول للانقلاب، حيث أعلنت الحكومة بياناً رسمياً بهذا الخصوص نشر في الصحف المصرية في اليوم الثاني من شهر يوليو 1989م بعد اجتماع قيادة الانقلاب الجديد مع السفير المصري في الخرطوم آنذاك محمد تقي الدين الشربيني.
كما بعث الرئيس حسني مبارك برسالة إلى الفريق عمر البشير مساء اليوم الأول للانقلاب تضمنت اعتراف مصر بثورة الإنقاذ الوطني في السودان وتأييدها لها، في المقابل رحب الفريق البشير بهذا الاعتراف وقال إن الاعتراف كان خطوة متوقعة وليس غريباً على مصر التي عودتنا بوقوفها الدائم مع الشعب السوداني.
وفي مساء اليوم الثاني للانقلاب وصل إلى الخرطوم الوزير (أمين نمر) مبعوث الرئيس المصري على رأس وفد ضم مدير المخابرات المصرية وعدد من المسؤولين والصحفيين للتأكيد على تأييد الحكومة المصرية ووقوفها مع القيادة الجديدة في السودان.
ولتأكيد الدعم المصري فعلياً نشرت الصحف المصرية نقلاً عن العقيد أركان حرب صلاح الدين أحمد كرار عضو مجلس قيادة الثورة في السودان ورئيس اللجنة الاقتصادية عن تسلم السلطة الجديدة في السودان لناقلة بترول تحمل 20 ألف طن من المواد البترولية هدية من الحكومة المصرية للشعب السوداني.
ولضمان التأييد العربي للنظام الجديد في السودان أجرى الرئيس المصري حسني مبارك عدة اتصالات مع زعماء الدول العربية منهم الملك فهد بن عبد العزيز والشيخ جابر الصباح والرئيس اليمني وملك الأردن وآخرين لإقناعهم بالاعتراف بالنظام الجديد في السودان، وقد كان.
استطاعت الإنقاذ وضع دستور جديد أثار كثيراً من الجدل.
تقويم تجربة الانقاذ:
حاولت الإنقاذ أسلمت الاقتصاد، كما ابتدعت سياسة التحرير وكل ذلك من أجل تحقيق وضع اقتصادي جيد لدولة كانت تعاني من الجفاف والتصحر وعدم الاستقرار السياسي، قال عاصف فايز مدير البنك الدولي في السودان: (هناك أشخاص جيدون يديرون الاقتصاد، ويعتبرون من بين الأفضل في أفريقيا، و أنهم في حاجة لبذل المزيد لتوزيع الثروة في المناطق الريفية والتركيز على الفقراء، وبالرغم من صورة السودان في العالم كدولة تعاني من الجفاف والمجاعات، فإن الاقتصاد مزدهر، بمساعدة محدودة من الغرب، فالنفط حول السودان إلى واحدة من أسرع الاقتصاديات نموا في أفريقيا ـ إن لم يكن في العالم ـ وهو ما يدعم حكومة السودان ويعطيها الطاقة الكافية لمقاومة المطالب الغربية بإنهاء النزاع في دارفور)([5])، تناول عاصف فايز مدير البنك الدولي في السودان أثر البترول واهمل الثروات الاخرى الزراعية والرعوية التي يذخر بها السودان وهي تشكل عوامل اقنصادية مهمة خاصة في ظل ازمة الغذاء التي يعاني منها العالم.
جاءت السياسات الاقتصادية التي اتخذتها الانقاذ في اوقات اتسمت بالحصار الاقتصادي واعتداءات عسكرية على البلاد اضافة الى عقوبات دبلوماسية، قال حسن حاج على أحمد (وزادت المعارضة من نشاطها، فصدرت مقررات مؤتمر التجمع في أسمرا التي تنص على إعطاء الجنوب والمناطق المهمشة حق تقرير المصير، وعلى اعتماد العمل العسكري لاسقاط الإنقاذ، وعلى قيام نظام ديموقراطي تحظر فيه الأحزاب الدينية، كما شهدت الفترة تصعيداً عسكرياً كبيراً، ففي عام 1997 وقع العدوان العسكري الثلاثي اليوغندي الإثيوبي الأريتري على البلاد، وفي أغسطس من عام 1998 وقع الإعتداء الأمريكي على مصنع الشفاء للأدوية، مع ازدياد الضغوط السياسية الدولية في هذه الفترة مصاحبة للتصعيد العسكري، ووصلت إلى ذروتها في هذه الفترة، حيث شهد عام 1996 فرض عقوبات دبلوماسية على البلاد من قبل مجلس الأمن وصدور ثلاثة قرارات في ذلك العام هي: 1044 و1054 و1070، بعد اتهامها بالمشاركة في تدبير حادث الإعتداء على الرئيس المصري في إديس أبابا. وأصدر الكونغرس الأمريكي في عام 1997 قرارا يقضي بحظر المعاملات الاقتصادية والتجارية مع السودان، كما أصدرت الإدارة الأمريكية أمراً تنفيذياً مشابهاً )([6])
ولتأكيد ما ذكر حول نجاح تجربة تحرير الاقتصاد وأن السودان استطاع تجاوز مرحلة الحصار الاقتصادي والعقوبات التي فرضت عليه نورد رأي أمين حسن عمر ( لقد كان أول مهام تنفيذ عملية التحول في النظام الاقتصادي في السودان وفق الرؤية الإستراتيجية التي تضمنتها وثيقة الإستراتيجية القومية الشاملة ،الإعلان الشهير بالانتقال بالاقتصاد السوداني إلي مرحلة التحرير الاقتصادي المتكامل وفك قيود الإدارية والإجرائية في كافة مفاصلة وتحرير قوي السوق وإطلاقها لدفع مسيرة الاقتصاد نحو التقدم وجاء ذلك في العام 1992 وإذا كان هذا الإعلان قد جاء متزامناً مع بداية موجة الفكر الاقتصادي الرأسمالي والذي ساد العالم خاصة بعد اكتمال حلقته في منتصف التسعينيات بإنشاء منظمة التجارة الدولية وانهيار الاقتصاد الموجة في منظومة الاتحاد السوفيتي ، ومحاولة فرض أنماط وقوالب اقتصادية محددة في إطار حركة العولمة الاقتصادية ، إلا أنه يمكن القول إن عملية التحرير الاقتصادي في السودان قد جاءت متباينة ومتفردة في أبعادها المختلفة بل إن هذا التحرير لم يجد ترحيباً من ذات الدوائر العالمية التي فرضته دولياً وسعت لإدخال العالم تحت مظلة اقتصادات السوق بما في ذلك الاقتصادات الموجهة العريقة كالصين، فقد حفلت فترة تنفيذ برامج التحرير والإصلاح في السودان بألوان شتي من المصاعب والتحديات والعقوبات، وتقف تجربة السودان في مجال التحرير الاقتصادي رائدة لأنها استطاعت أن تحقق نجاحات عديدة لم يكن من السهل الحصول عليها في غياب أهم عوامل نجاحها المفترضة، ويمكن أن نستدل بتفرد تجربة التحرير الاقتصادي في السودان وعملية التحول في النظام الاقتصادي من عدة أوجه نجملها في الآتي:
1- النجاح في تجاوز الحصار الاقتصادي وسلسلة العقوبات الاقتصادية طوال عقد التسعينيات وبداية الألفية الثالثة.
2- النجاح في فرض منهجية الفكر الاقتصادي الإسلامي حيث كان النجاح الذي شكل العمود الفقري للسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والإنمائية في السودان صدي واسعاً ومهد لنشر هذا الفكر عالمياً في المؤسسات المالية الدولية والتمويلية وأصبح السودان الدولة الوحيدة في العالم التي ساد فيها نظام مصرفي كامل على أساس غير تقليدي قائم ومربوط بمنهجية الفكر الاقتصادي الإسلامي وسياسات التحرير الاقتصادي.
3- النجاح في وضع نموذج اقتصادي علمي استطاع احتواء تداعيات الآثار السالبة على الاقتصاديات والسياسات الكلية التي تم إتباعها في بداية التسعينيات والتي أوشكت أن تطيح بالمكاسب التي تم تحقيقها خلال تلك الفترة 1996-2005م من إصلاحات مالية ونقدية ومؤسسية عديدة في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي.
4- كسر طوق حلقة الاقتصاد المفرغة التي ظل الاقتصاد السوداني يواجهها منذ استقلاله والمتمثلة في ضعف مدخراته واستثماراته من ناحية وعجزه عن استغلال القروض والمساعدات الإنمائية والجارية التي تم الحصول عليها خلال الفترة 1958-1989م بالكفاءة المنشودة ودور الاستثمار الأجنبي والاستثمار في النفط في تحقيق بداية النمو المتسارع والقوى الذي جاء منذ بداية الألفية الثالثة)([7])
ويلاحظ ان امين حسن عمر قد ركز على نجاح تطبيق منهجية الفكر الاقتصادي الإسلامي ونرى ان ذلك يوضح بجلاء تأثير العقيدة الاسلامية على اقتصاد الدولة، كما انه رأي شخصية تولت مناصب كثيرة في حكومة الانقاذ.
كان لانتهاج سياسة التمكين التي أعلنتها الإنقاذ كما ذكر دكتور عبد الرحيم ( ذات المكتب الذي قرر الإنقاذ قرر في ذات الاجتماع الخطة نحو التمكين، وأول قراره أن تظهر الثورة قومية أول الأمر بغير لون حزبي تدعمها الحركة بعناصرها في المواقع كافة حفظاً لميلادها وقوميتها بغير إعلان ولا سفور بعودة المغتربين من أعضاء الحركة في كل مكان لسد الثغرات ثم القرار بإعلان الشريعة الإسلامية بعد العام الأول ثم القرار بظهور الرموز الإسلامية شيئاً فشيئاً وفق الاطمئنان إلى رسوخ التمكين) ([8]) أن عمدت الإنقاذ إلى تشريد من ترى أنهم ضدها تحت مسميات مختلفة منها الفصل السياسي والصالح العام وإلغاء الوظيفة، ولازالت هذا الظلم عمدت الانقاذ لتكوين لجنة لمعالجة هذا فصدر في15 يوليو 2007م القرار رقم 188 لتكوين لجنة لحل مشاكل المفصولين.
كما حاولت جعل الزكاة من الإيرادات العامة للدولة ولكنها شاب ذلك بعض القصور عند التطبيق في الجمع والتوزيع، ففي توزيعها قال صادق عبد الله عبد الماجد : (ديوان الزكاة فشل فشلاً ذريعاً في مواجهة وحل قضية الفقراء في السودان... وان توزيع الزكاة أمام عدسات التلفزيون يكون بالملاين وبالملاليم في الخفاء.. ونادى بان تعيد الدولة النظر في جباية الزكاة حتى تقوم على أسس من الشرع الحنيف) ([9]). ونرى ان رأي صادق عبد الله مهم لأنه شخصية اسلامية مشهود لها بالكفاءة.
تعتبر تجربة النظام المصرفي الإسلامي في السودان من التجارب الرائدة بالرغم من أنها ترجع للعام 1978م حينما تم إقرار قيام بنك فيصل الإسلامي وقامت بعدها عُدة بنوك وما يميزها أنها لم ترتبط بتوصيات صندوق النقد الدولي ومؤسساته وأنها ابتعدت عن المعاملات الربوية ثم تطورت في عهد الإنقاذ لارتباطها بالنظام ككل، إلا أن الإنقاذ وبعد توقيع اتفاقية السلام أقرت بإتباع نظام ربوي في الجنوب مما اعتبر ردة عن النظام المصرفي الإسلامي ( [10]).
تعرض السودان للحصار الاقتصادي وإذا تتبعنا هذا الحصار الاقتصادي نجد أنه في مارس 1990م وبعد لقاء الرئيس السوداني عمر البشير بكوهين مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية أوقفت الحكومة الأمريكية مساعداتها الاقتصادية والعسكرية للسودان تنفيذاً للقرار الذي ينص على عدم تقديم مساعدات لحكم جاء من خلال الانقلابات، ثم وضعت وزارة الخارجية الأمريكية السودان في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، كما استغلت الولايات المتحدة وجود مؤتمر الشعب العربي الإسلامي في الخرطوم وأسامة بن لادن وكارلوس وحماس كدلائل على أن السودان دولة إرهابية، وقالت إن الترابي هو الحاكم الفعلي للسودان وأن الدول الإفريقية المجاورة تشكو من تدخل حكومة السودان في شؤونها الداخلية حيث تقدم حكومة الخرطوم الأسلحة والمساعدات للمنظمات الإسلامية، كذلك استغلت أمريكا حادثة محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا في يونيو 1995م بإبهام الحكومة السودانية بأنها متورطة فيها، فاستصدرت قراري مجلس الأمن 1044 و1054 في 21يناير و26 ابريل 1996م، ثم اتبعها الرئيس الأمريكي بقرار آخر في 23 نوفمبر 1996 يقضي بمنع أعضاء الحكومة السودانية وأفراد القوات المسلحة في السودان من دخول الولايات المتحدة، وفي فبراير 1996 أغلقت الحكومة الأمريكية سفارتها في الخرطوم بدعوى وجود مجموعات إسلامية أصولية نشطة في الخرطوم ولها مكاتب مثل حركتي الجهاد الإسلامية (مصر) وحزب الله (لبنان) وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، أعقب ذلك جولة أولبرايت في أفريقيا واجتماعها بالمعارضة السودانية في كمبالا، ودعمت أمريكا يوغندا واريتريا وإثيوبيا بمعدات عسكرية بقيمة 20 مليون دولار، ودعمت حركة التمرد التي استولت على الكرمك وقيسان، ثم ضربت مصنع الشفاء للأدوية بالخرطوم بحري في مارس 1998م بدعوى أنه مصنع للأسلحة الكيمائية، وفي 24 مارس أصدر مجلس النواب الأمريكي قراراً يضم 33 حيثية اتهام للحكومة السودانية من بينها اتهام الحكومة بممارسة إبادة جماعية وتطهير عرقي في جبال النوبة وأنها ترعى الإرهاب وتمارس سياسة التمييز العنصري وتعذيب المعارضين السياسيين، وأنها متورطة في تفجير مبنى التجارة الدولي في نيويورك في عام 1993م... نفت الخرطوم كل تلك التهم ودعت إلى إرسال بعثة تحقيق دولية.
يتضح أن كل ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية ضد السودان كان بسبب توجهات الإنقاذ الإسلامية، فقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية وجود مقر مؤتمر الشعب العربي الإسلامي بالخرطوم وفتح مكاتب حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وحركة الجهاد الإسلامية المصرية وحزب الله اللبناني لتتهم السودان بالإرهاب.
واهتمت الإنقاذ باللغة العربية، فحافظت عليها كمادة إجبارية ضمن مواد امتحانات الشهادة السودانية، وعربت المناهج الجامعية، وذلك لان اللغة العربية لغة القرآن.
أما في مجال التعليم فقد غيرت الإنقاذ السلم التعليمي، والمناهج الدراسية لتصبح إسلامية، وأعلنت ثورة التعليم العالي التي اهتمت بزيادة عدد الجامعات والتوسع في القبول.
تعتبر قرارات الرابع من رمضان وما تلاها من قرارات أهمها إعلان حالة الطوارئ وحل المجلس الوطني بداية انقسام أضر بالحركة الإسلامية وأدى إلى تكوين حزب المؤتمر الشعبي بقيادة دكتور الترابي.
عملت الانقاذ على التغيير الاجتماعي وضبط المجتمع ولكن صاحب ذلك سلبيات أرجعها دكتور أمين حسن عمر الى: (انه ورغم وضوح رؤية الحركة الإسلامية ممثلة في الإنقاذ لقضية التغيير الاجتماعي وأن سلوكها العام قد وسمته هذه الرؤية الواقعية الوسطية إلا أن سلوك بعض الأفراد والجماعات الـمنتسبة إليها والمتحدثة باسمها أحياناً والمستندة إلى مرجعية سلطتها كانت أحياناً تعطي أشارات مخالفة لهذا النهج، وهذه التفلتات عن النهج العام هي التي يستدل بها خصوم الحركة الإسلامية على ادعاءاتهم، إذ يلجأون إلى تجاهل النسق العام مع التركيز على التجاوزات والتناقضات التي لا تخلو منها تجربة أو ممارسة عامة، ومثال ذلك محاولة جهات رسمية وشبه رسمية فرض الحجاب بالقانون، وكذلك تجربة شرطة النظام العام بالخرطوم لفرض ما يسمى بالمظهر العام اللائق، وقد كان للجدال الدائر بين تيارات داخل الحركة الإسلامية أثره في بطء معالجة هذه الظواهر التي لا تتوافق مع المنهج العام) ([11]).
عملت الانقاذ في بداباتها الى إعلان الجهاد وإحياء هذه الشعيرة الإسلامية وقدمت الإنقاذ قادتها شهداء مما جعلهم قدوة للشباب فاندفعوا للجهاد رغبة في الاستشهاد، وبعثت الإنقاذ أناشيد النصر والفداء فاحتلت مكانة ومساحة واسعة في وسائل الإعلام، ولكن بعد اتفاقية السلام ضعفت هذه الروح.
أما في مجال مشكلة الجنوب فقد سعت الإنقاذ لحل مشكلة الجنوب بعقد المؤتمرات إلى جانب الاهتمام بالانتصارات العسكرية وقد أفلحت بإعلانها الجهاد وتكوين فرق الدفاع الشعبي في استعادة كثير من المدن الجنوبية، ولكنها جعلت الحرب بين مسلمين وغير مسلمين، وعقدت مؤتمرات كثيرة واتفاقيات كان آخرها اتفاقية مشاكوس.
احتوت اتفاقية مشاكوس التي وقعت في كينيا بين حكومة السودان وجيش تحرير السودان خلال الفترة من 18 يونيو إلى 20 يوليو في ما يختص بالدين على أن الأديان والعادات والتقاليد والمعتقدات مصدر قوة روحية والهام للشعب السوداني، وأنه سيكون هناك حرية الاعتقاد والعبادة والضمير لإتباع كل الأديان أو المعتقدات أو العادات، ولن يتعرض أي شخص للتمييز ضده على هذه الأسس، وأن تولي المناصب العامة، ومن بينها الرئاسة والمناصب العامة، والتمتع بكل الحقوق والواجبات تقوم على أساس المواطنة وليس على أساس الدين أو المعتقدات أو العادات، ونصت الاتفاقية إلى أن يشار إلى المبادئ الواردة في هذا الجزء في الدستور، وبعد الاتفاقية اختفت كثير من المظاهر الإسلامية التي كانت مفروضة على المواطن في العاصمة القومية، وارتفعت أصوات الاحتجاج على سياسة الإنقاذ في العاصمة القومية، كما فظهرت المرأة الجنوبية بالملابس التي تتنافي مع الإسلام، وفتحت المطاعم في نهار رمضان، ظهرت مجموعات من داخل الإنقاذ ضد الاتفاقية وتنادي بفصل الشمال عن الجنوب كمجموعة منبر السلام العادل([12]).
وفي الجنوب ودارفور نشطت حركات التنصير، بل في كثير من الولايات الجنوبية أغلقت الجامعات الإسلامية ومكاتب الزكاة ومنع رفع الأذان.
من اهم الاحداث التي تعرضت لها الانقاذ قرار المحكمة الجنائية بتوقيف الرئيس البشير.
وبعد ذلك وفي عام 2010م اعلنت اول انتخابات ديمقراطية في السودان([13])
بمراقبة دولية اسفرت عن فوز حزب المؤتمر الوطني باغلبية المقاعد في الشمال وفوز الحركة الشعبية بأغلبية مقاعد الإقليم الجنوبي.
بمراقبة دولية اسفرت عن فوز حزب المؤتمر الوطني باغلبية المقاعد في الشمال وفوز الحركة الشعبية بأغلبية مقاعد الإقليم الجنوبي.
أما الحدث الاكبر في تاريخ السودان الذي تم في عهد الانقاذ فهو الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب الذي تحدد له التاسع من يناير 2010م وقد جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال، فبحسب الأرقام التي عرضتها المفوضية الخاصة بالاستفتاء، لم تتجاوز نسبة المؤيدين للوحدة 1.17 في المائة، بينما أيد الانفصال 98.83 في المائة من اللذين أدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع.
[1] - سراج الدين عبد الغفار عمر، تجربة الدفاع الشعبي في السودان وحرب الجنوب، جامعة إفريقيا العالمية 1997، ص94
[5] - جفري غلمان، استطلاع، صحيفة الشرق الاوسط، العدد 10193، 25/10/2006م
[6] - حسن حاج على أحمد، الحركة الإسلامية والسلطة السياسية: تقويم للأداء، مؤتمــر الحركـــة الاســلاميــة ،الأحد 7-9 أغسطس 2008
[7] - أمين حسن عمر، مقاربة الإنقاذ للمشروع الإسلامي وأثرها على مستقبل الإسلام بالسودان، موقع السودان الاسلامي، 01 يوليو 2007.
[8] - د. عبد الرحيم عمر محيي الدين، الترابي والإنقاذ صراع الهوية والهوى، مطبعة دار عكرمة، دمشق، 2006م، ط3، ص 188
[9] - صحيفة الانتباهة، الخرطوم، العدد732، بتاريخ29اكتوبر 2007م
[10] - الصحافة، الخرطوم العدد رقم: 5294، 15/3/2008م
[11] - امين حسن عمر، مرجع سابق
[12] - هذا المنبر يصدر صحيفة الانتباهة وهي تتبنى الدعوة لفصل الشمال عن الجنوب
[13] - عهد قانون الانتخابات لسنة 2008 م على المفوضية تنظيم انتخابات في السودان هي الأولى من نوعها من حيث الشمول و الحجم ، حيث يتم انتخاب الآتي :
رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب و ولاة الولايات و أعضاء المجلس التشريعي القومي و أعضاء المجلس التشريعي لجنوب السودان و أعضاء المجالس التشريعية الولائية. كما تشهد الانتخابات تحديد دوائر للمرأة و للأحزاب على أساس التمثيل النسبي ، لأول مرة في تاريخ السودان .تبلغ نسبة دوائر المرأة 25% ، و دوائر قوائم التمثيل النسبي 15% ، و الدوائر الجغرافية 60% ، و ينطبق هذا التقسيم على الهيئات التشريعية القومية و الولائية، تبدأ العملية الانتخابية بتحديد الدوائر الجغرافية ، ثم تسجيل المقترعين و اعلان السجل النهائي ثم الترشيح ، و الحملة الانتخابية و أخيرا الاقتراع و اعلان النتائج .
رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب و ولاة الولايات و أعضاء المجلس التشريعي القومي و أعضاء المجلس التشريعي لجنوب السودان و أعضاء المجالس التشريعية الولائية. كما تشهد الانتخابات تحديد دوائر للمرأة و للأحزاب على أساس التمثيل النسبي ، لأول مرة في تاريخ السودان .تبلغ نسبة دوائر المرأة 25% ، و دوائر قوائم التمثيل النسبي 15% ، و الدوائر الجغرافية 60% ، و ينطبق هذا التقسيم على الهيئات التشريعية القومية و الولائية، تبدأ العملية الانتخابية بتحديد الدوائر الجغرافية ، ثم تسجيل المقترعين و اعلان السجل النهائي ثم الترشيح ، و الحملة الانتخابية و أخيرا الاقتراع و اعلان النتائج .
(من كتاب النظم السياسية وتجارب الحكم في السودان)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق