في هذا الكتاب »النظم السياسية وتجارب الحكم في السودان« لمؤلفه الاستاذ الكاتب الصحفي والمعلم الكبير الدكتور عبداللطيف محمد سعيد.. يقول المؤلف عن كتابه الفخيم هذا:
إنه محاولة للكتابة عن النظم السياسية والتركيز على تجارب الحكم في السودان.
ويحدثنا عن نهجه في طرح دراساته وبحوثه هذه بالقول:
- إننا بداية عرفان معنى النظم السياسية ثم تناولنا أنواع أنظمة الحكم المختلفة والمفاهيم السياسية حولها مع توضيح آراء الفلاسفة الغربيين عن الدولة، وآراء بعض المفكرين الاسلاميين وحاولنا بيان نوع الحكم في السودان.. بعد ذلك كتبنا عن تجارب الحكم في السودان، بدءا بالمهدية مروراً بفترات الحكم الديمقراطي والحكم العسكري.
وقال المؤلف: إنها محاولة راجياً ان تكون إضافة الى المكتبة السودانية وأن تعين الطلاب والباحثين وأن تكون إضافة الى كتابيه السابقين »العلاقات العامة نشأتها وتطورها في السودان«، و»العلاقات السياسية الدولية« وكلها محاولات للكتابة عن السودان نسأل الله التوفيق.
ويدلنا على أهمية هذا الكتاب تلك المناحي التي اهتم بها وكرس لها جهداً كبيراً لأن تفي بمبانيها ومقاصدها.. تناول المؤلف في البداية النظم السياسية التي خصها بمبحثه الأول ضمن الفصل الأول للكتاب ليجيء المبحث الثاني عن »الفصل بين السلطات« وليجيء المبحث الثالث عن نظام الحكم في السودان.
ü الفصل الثاني من هذا الكتاب المهم »النظم السياسية وتجارب الحكم في السودان« خصصه المؤلف »للدولة«.. بحث فيه نظريات قيام الدولة.. ثم الدولة وتعريفها.. ومن ثم مفهوم الدولة في الاسلام.
وليطل علينا بحثه في الفصل الثالث عن الدولة في الغرب بادئاً بشرح مفهوم الدولة »في الغرب« ثم أنواع أنظمة الحكم ويخصص المؤلف بحثه في فصل كتابه الرابع لأنظمة الحكم في السودان ابتداء بدولة المهدية ومن بعدها تجارب الحكم الاخرى في السودان لينتهي عند تجربة الإنقاذ في الفصل الخامس والأخير.
يقول المؤلف في تعريف النظام السياسي في ظل تعدد التعريفات
لمصطلح النظم السياسية ما بين تقليدي وحديث.. إذ التعريف التقليدي للنظام السياسي أنه نظام الحكم أي المؤسسات الحكومية الثلاث تنفيذية وتشريعية وقضائية، هذا ا لتعريف يربط النظام السياسي بالدول وهو مستمد من التعريف التقليدي لعلم السياسة.
ويقول المؤلف:
فقد عرّف محمد بشير الكافي النظام بأنه الظواهر والبنى السياسية مما يفيد تبلورها وانظامها في قواعد ومصالح وقيم واتجاهات متمايزة حيث يتضمن النظام من الناحية السياسية مباديء وإجراءات ومؤسسات وأجهزة تنظيمية تعمل لتحقيق هدف أو مصلحة ما وكثيراً ما يحمل المصطلح في القاموس السياسي معنى قيادة وتركيب الحكم في بلد ما.
ثم يتجه بنا الدكتور عبداللطيف محمد سعيد الى التعريف الحديث للنظام السياسي.. يرى ان التطور الذي عرفه علم السياسة بعد تعقد الحياة السياسية وتجاوزها لحدود الدولة، دفع علماء السياسة بأنه علم السلطة، وفي هذا إشارة الى نوع الحكم فعرفته موسوعة العلوم السياسية بأن النظام السياسي هو مجموع التفاعلات والأدوار المتداخلة والمتشابكة التي تتعلق بالتخصيص السلطوي للقيم - أي بتوزيع الأشياء ذات القيمة بموجب قرارات سياسية ملزمة للجميع أو التي تتضمن الاستخدام الفعلي أو التهديد باستخدام الارغام المادي المشروع في سبيل تحقيق تكامل وتكيف المجتمع على الصعيدين الداخلي والخارجي أو التي تدور حول القوة والسلطة والحكم أو التي تتعلق بتحديد المشكلات وصنع وتنفيذ القرارات السياسية.
وهذا يعني ان النظام السياسي برغم انه يشمل الدولة ونظام الحكم فيها، ولكنه قد يتجاوزها ليستوعب علاقات وتفاعلات سلطوية، إما مشمولة بالدولة كالأحزاب والجماعات العرقية والطائفية ذات الثقافات المغايرة والمضادة للدولة وإما تتعدى حدود الدولة كظاهرة الارهاب الدولي أو العنف متعد] القوميات أو حركات التحرر الوطني أو التداعيات السياسية للعولمة.
ويضيف المؤلف على وجه الشمول بقوله:
»في رأيي انه يوجد تعريف أشمل ينص على أن النظام السياسي هو نظام اجتماعي وظيفته إدارة موارد المجتمع استناداً الى سلطة معطاة له وتحقيق الصالح العام عن طريق سن وتفعيل السياسات، وللنظام السياسي صورتان هما »سلوكية« و»هيكلية« فالنظام السياسي في صورته »السلوكية« هو تلك المجموعة المترابطة من السلوك المقنن الذي ينظم عمل كل القوى والمؤسسات والوحدات الجزئية التي يتألف منها.
أما النظام السياسي في صورته »الهيكلية« هو عبارة عن مجموعة المؤسسات التي تتوزع بينها عملية صنع القرار السياسي وهي المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وطرح المؤف قضية الفصل بين السلطات وهي من القضايا بالغة الأهمية في هيكلة الدولة كما نعرف. يقول المؤلف: إن مبدأ الفصل بين السلطات لم يظهر في الفكر السياسي الأعلى يرى جون لوك العام 1689م ثم تبناه مونتسكيو الذي كان أول من صاغه صياغة متكاملة في كتابه روح القوانين في العام 1748م ونقطة البداية عند مونتسكيو هي ان وظائف الدولة الأساسية ثلاث:
ü الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية، ويتعين لضمان الحرية إعمال مبدأ الفصل بين السلطات وعلة ذلك في رأي مونتسكيو هو ان كل إنسان يمسك بالسلطة يميل الى إساءة استعمالها ولا يتوقف إلا عندما يجد أمامه حدوداً، ولمنع إساءة استعمال السلطات يجب ترتيب الأمور بحيث توقف السلطة وقد سيطر مبدأ الفصل بين السلطات منذ منتصف القرن الثامن عشر على التاريخ الدستوري في الولايات المتحدة وفرنسا منذ الثورة سنة 1789م، كما كان موثراً على النظم السياسية في البلاد الأوروبية كافة معتدلة أي حكومات ليست استبدادية لأن الاستبداد يكون مصحوباً بالعنف والحكومات المعتدلة تأخذ شكلين: الجمهورية التي قد تكون ديمقراطية أو ارستقراطية والملكية، ورغم ذلك فإن الحرية السياسية لا توجد دائماً في كل الدول المعتدلة، إن الحرية لا توجد إلا عندما يساء استعمال السلطة، وقد أثبتت التجربة دائما أن كل إنسان بيده سلطة ينزع الى اساءة استعمالها وهو يتمادى الى ان يجد حدوداً، لقد اعتبرت الثورة الفرنسية ان فكرة مونتسكيو عن مبدأ الفصل بين السلطات شبه مقدسة ولكن الفكر المعاصر ينظر الى مونتسكيو باعتباره من رواد علم الاجتماع السياسي اكثر من كونه فقيهاً قانونياً، فلم يكن مونتسكيو يدعي أنه صاغ فكرة مقدسة.. وإنما أرسى مبدأ من مباديء فن السياسة وقد استخلص هذا المبدأ من ملاحظاته على ما يجري على مسرح السياسة في انجلترا.
(هذا العرض كتبه الاستاذ محمد صالح يعقوب بصحيفة الرأي العام السودانية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق