د.عبداللطيف محمد سعيد
ما أشبه الليلة بالبارحة!
هذه قراءة في التاريخ من كتاب النظم السياسية وتجارب الحكم في السودان: في أغسطس 1977م أصدر نميري قرارات مراجعة القوانين لتتوافق مع الشريعة والتي تم بموجبها تكوين لجنة لم تمثل اتجاهاً سياسياً محدداً بل غلب عليها الطابع الفني التكنوقراطي، فقد ضمت في عضويتها رئيس القضاء وقاضي القضاة والنائب العام ووزير الشباب والرياضة، ونقيب المحامين وعميد كلية القانون بجامعة الخرطوم كما ضمت اللجنة من الشخصيات المهمة حسن الترابي ودفع الله الحاج يوسف والشيخ علي عبد الرحمن وفرانسيس دينق واكولدا اتير والقاضي امبروز ريني، وهي لجنة ممتازة متخصصة علمياً وعملياً وضمت خبرات من الشمال والجنوب ولم ترتكز على حزب معين أو توجه أو عضوية الاتحاد الاشتراكي بغرض مراجعة القوانين التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وقد عرفت بلجنة خلف الله الرشيد الذي كان يشغل منصب رئيس القضاء.
وقد خلصت تلك اللجنة إلى أن هناك 28 قانوناً من بين 268 قانوناً تتعارض بعض موادها، أو بعض فقرات مواد تلك القوانين مع الشريعة، واتضح للجنة أن معظم القوانين المشار إليها كانت تختص بقضايا الفوائد الربوية والمعاملات الاقتصادية القائمة على أشكال ربوية مستترة أو ظاهر.
إن برنامج نميري للولاية الثالثة الذي أقره المؤتمر القومي الرابع في دورته خلال الفترة من 26 فبراير إلى 4مارس 1983م لم يحدد تاريخاً لبدء الاستعداد لإعلان التشريع الإسلامي في السودان ولكنه حدد النهج الإسلامي كإطار فكري وحضاري لتحقيق الأهداف القومية في إشارة إلى اختيار النهج الإسلامي للولاية الجديدة، كما أن بيان 4 يونيو الذي صادف الرابع من رمضان فرضته ظروف إضراب القضاة، وجاء فيه (أن العدالة أيها الإخوة وتحقيقها يظل مبدأ من مبادئ عقيدتنا وثورتنا، لا تنازل عنها ولا تهاون فيها واليوم فإنني أطرح على المواطنين هذه الإستراتيجية التي سأعمل على تنفيذها تحقيقاً للعدالة الناجزة).
بالرغم من ذلك إذا قيل إن قانون الهيئة القضائية صدر في 11 أغسطس سنة 1983م وموضوعاته تجديد هيكل الهيئة القضائية وشروط خدمة القضاة، تبعه قانون الإجراءات المدنية وقانون الإجراءات الجنائية في 18 أغسطس من نفس العام وكلها صدرت في إطار التشريعات الإسلامية وألغت القوانين السابقة، نجد أن نميري ذكر أنه في نفس اللحظة التي شيع فيها الفريق إبراهيم عبود والتي وافقت يوم الخميس اليوم المتمم لذي القعدة من السنة الثالثة بعد أربعمائة وألف من الهجرة الموافق الثامن من سبتمبر 1983م كانت الإذاعة تذيع بياناً سجله النميري بصوته أعلن فيه بداية التشريع الإسلامي مبتدئاً بمراجعة قانون العقوبات ليتمشى مع الشريعة الإسلامية وأنه بعد أسبوعين من يوم الخميس أي يوم الجمعة الثالث والعشرين من سبتمبر سنة 1983 تم إبادة الخمور وإراقتها في النيل وكلها صدر في الثمانينيات فقد شهدت هذه الفترة تطورات سياسية واقتصادية مهمة قلبت كافة الموازين التي كانت تمضي بها خطى الدولة، فقد كانت الثمانينيات هي إفرازات السياسات الاقتصادية السالبة فقد عاش السودان أزمة اقتصادية حقيقية شديدة فقد ارتفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية وصحب ذلك نقصان في المواد الغذائية.
بعد القراءة هل نقول ما اشبه الليلة بالبارحة؟
والله من وراء القصد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق